اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 317
لكن سعدا لم ينس- في ضجيج الرّجاء الموجّه إليه- أنّ الإسلام وأبناءه، والمدينة وثمارها وحرثها ونسلها وحرماتها، لم ينج من وطأة الأحزاب الهاجمين إلا بأعجوبة خارقة، وأنّ بني قريظة هؤلاء ومن اووهم، كانوا المحرّضين والشركاء المقبوحين في هذه الحرب التي أعلنت لاستئصال التوحيد الحق واجتياح أهله.
ولم ينس سعد كيف نقضت بنو قريظة عهدها، واستقبلته بالألفاظ البذيئة عند ما ذهب يناشدهم الوفاء! ألم يقل لهم يومئذ: أخشى عليكم مثل يوم بني النضير أو أمرّ منه؟ فكان ردّهم عليه: أكلت ذكر أبيك!!.
لذلك ما لبث سعد أن صاح بقومه- وقد أكثروا عليه الرجاء-: قد ان لسعد ألّا تأخذه في الله لومة لائم.
[نزول بني قريظة على حكم سعد] :
وحكم سعد أن يقتل الرجال، وتسبى الذرية، وتقسّم الأموال، وأقرّ النبي صلى الله عليه وسلم هذا القضاء الحازم قائلا لسعد: «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات» [1] .
وحفرت الخنادق بسوق المدينة لتنفيذ هذا الحكم، وسيق إليها مقاتلة اليهود أرسالا- طائفة بعد أخرى-؛ ليدفعوا ثمن خيانتهم وغدرهم.
قال اليهود لسيدهم كعب وهم يساقون لمصارعهم: ما تراه يصنع بنا؟
فقال: أفي كلّ موطن لا تعقلون؟ ألا ترون الداعي لا ينزع، وأنّه من ذهب به منكم لا يرجع؟ هو- والله- القتل.
أجل! هو القتل! وإنّما تقع تبعات الحكم به على من تعرّض له بسوء صنيعه، وبما أسلف من نيّات خبيثة لم يسعفها الحظ فتحقق، ولو قد تحققت لكان ألوف المسلمين هلكى تحت أقدام الأحزاب المنسابة من كل ناحية، يحرضهم ويؤازرهم أولئك اليهود.
وربّما كانت مغامرات نفر من طلاب الزعامة سببا في هذه الكارثة التي [1] حديث صحيح، أخرجه ابن إسحاق، وعنه ابن هشام: 2/ 197، عن علقمة بن وقّاص الليثي مرسلا؛ ولكن أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري دون قوله: «من فوق سبع سموات» ، فهذا ضعيف.
اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 317